السبت، 20 أغسطس 2011

خطاب الوزير الأول المؤقت: تنصّل من المسؤولية و محاولة فاشلة لامتصاص غضب الشارع


ألقى اليوم، الخميس 18 أوت 2011، رئيس الحكومة المؤقتة، خطابا بقصر المؤتمرات بالعاصمة دعيت لحضوره الأحزاب والمنظمات وعدد من الشخصيات الوطنية. وقد خيّر حزب العمال الشيوعي التونسي عدم الحضور حتى لا يكون في موقع الديكور خاصة أن الخطاب سبقه لقاء يوم الأربعاء بين الوزير الأول وعدد من الأحزاب لنقاش الأوضاع الراهنة لم يدع له حزب العمال لأن اللقاء اقتصر على الأحزاب الممثلة في "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة".
وفي حين كان الرأي العام ينتظر من الوزير الأول المؤقت توضيحات وقرارات ملموسة بخصوص الملفات الرئيسية التي شغلته في الفترة الأخيرة والتي شهدت حولها مختلف جهات البلاد تحركات واسعة وخاصة ملفات القضاء والأمن وغلاء الأسعار، اكتفى "قايد السبسي" بخطاب طغى عليه الطابع التبريري، فرغم اعترافه بأن عمل حكومته تشوبه نقائص إلا أنه اعتبرها "أحسن حكومة" عرفتها البلاد واسترسل في التذكير بصعوبة الظروف التي استلمت فيها مهامها وطابعها الوقتيّ محيّيا الأحزاب التي عبّرت له عن المساندة معتبرا أنها "أحزاب تتمتع بروح المسؤولية" ومنتقدا الأطراف التي عارضت حكومته معتبرا أنها "تريد الركوب على الثورة" وأن حكومته "تحمي الثورة من الانحرافات"، الخ.
وقد تفصّى الوزير الأول من تحمّل المسؤولية واتخاذ قرارات وإجراءات ملموسة تخص المطالب التي رفعتها الجماهير المحتجة في المدة الفارطة ملقيا الكرة إلى مؤسسات أخرى. ففي ملف إصلاح القضاء وفي حين كان الرأي العام وأعضاء الأسرة القضائية ينتظرون توضيحات حول التباطؤ في محاسبة رموز القمع والفساد والتستر على بعضهم وتسهيل هروب السيدة العقربي، ويتوقعون قرارات جدية بما فيها تغيير وزير العدل وانتخاب مجلس أعلى للقضاء جديد، اكتفى "قايد السبسي" بتحميل جمعية القضاة مهمّة حصر قائمة في القضاة الفاسدين على أن تنظر الحكومة فيها.
وفي ما يخص عودة البوليس السياسي إلى سالف نشاطه وأعمال القمع التي ترتكب على المحتجين سلميا وعلى عموم المواطنين والمواطنات لم ينبس السبسي ببنت شفة. وبالنسبة إلى مواصلة "رموز التجمع" لعب أدوار متقدمة في إفساد الحياة السياسية وإذكاء النعرات الجهوية والعروشية والعقائدية، عبر مواصلة سيطرتهم على مفاصل الإدارة والإعلام ومختلف أجهزة الدولة وما لديهم من أموال، اكتفى "قايد السبسي" برمي الكرة في ملعب "الهيأة العليا" متجنبا إعلان قرارات ملموسة لتطهير تلك الأجهزة وردع من يقفون خلف المليشيات والعصابات المنظمة التي ترتكب الجرائم على حساب الشعب.
أما في ما يخصّ غلاء الأسعار الذي كان التونسيون ينتظرون بخصوصه إجراءات ملموسة من قبيل إحكام المراقبة على نشاط المحتكرين والمضاربين وتقرير تخفيض في أسعار المواد الأساسية وزيادة في الأجور، اكتفى الوزير الأول بتكرار التبريرات القديمة حول صعوبة الظرف الاقتصادي وتأثر الأسعار بارتفاع الطلب الناتج عن اللاجئين الليبيّين متناسيا أن فصل الصيف كان على الدوام مناسبة لارتفاع الطلب نتيجة إقبال السياح وعودة المهاجرين لقضاء العطلة في تونس وأن الليبيّين أنفسهم كانوا يأتون إلى تونس بنفس العدد تقريبا كسياح ومتناسيا أيضا أن "صابة" الفلاحة لهذه السنة حققت ارتفاعا ملحوظا بالمقارنة مع السنوات الفارطة.
وخلاصة القول، فإن خطاب الوزير الأول المؤقت يعطي برهانا إضافيا على أن الحكومة غير جادة في الاستجابة للمطالب الشعبية التي عبّرت عنها التحركات الميدانية أو القوى السياسية والاجتماعية المنحازة للثورة، وأن الهدف منه لم يكن سوى امتصاص موجة الاحتجاج والغضب الأخيرة ومواصلة لعبة ربح الوقت وفسح المجال أمام قوى الثورة المضادة للحفاظ على مواقعها وتنظيم صفوفها. كما أن مظاهر "التشاور" مع الأحزاب والقوى الاجتماعية التي أراد "قايد السبسي" أن يبرزها والتي بقيت انتقائية وشكلية ليست سوى محاولة للبحث عن سند لحكومة تتعمق عزلتها السياسية والشعبية باطراد وخلق ديكور تعدّدي وديمقراطي حولها من بين الأحزاب التي - رغم معارضة بعضها لبن علي - تهادن اليوم قوى الالتفاف على الثورة وعلى رأسها السلطة القائمة الحالية.
إن حزب العمال الشيوعي التونسي يدعو جماهير الشعب إلى مواصلة النضال من أجل تحقيق مطالبها والدفاع عن ثورتها في وجه قوى الردة. كما يدعو القوى المنحازة للثورة إلى تجاوز خلافاتها وتشتتها وتكتيل صفوفها حول برنامج موحد سياسي واقتصادي واجتماعي نابع من إرادة الشعب ومكرّس لأهداف ثورته.

حزب العمال الشيوعي التونسي
18 أوت 2011

0 التعليقات:

إرسال تعليق