الاثنين، 12 ديسمبر 2011

افتتاحية صوت جبنيانة العـــ 17 ـــدد


لا لتجريم تحركات الشعب

تعددت  في الآونة الأخيرة و تحديدا بعد انتخابات المجلس التأسيسي التحركات الشعبية المطلبية في عديد المناطق من البلاد و كان محور هذه التحركات  مجموعة من المطالب المشروعة التي ناضلت من أجلها الفئات المفقرة قبل الثورة و بعدها  وهي التشغيل و  التنمية و العيش الكريم و إزالة الفوارق بين الجهات و العدالة الاجتماعية و التخفيض في أسعار المواد الأساسية   و كذلك مطالب أخرى من أهمها محاسبة القتلة و المجرمين الذين نكّلوا بالشعب التونسي أثناء الثورة.وقد شملت هذه التحركات عديد المناطق بالبلاد و التي حرمت على مدى عقود من أبسط ضروريات الحياة و العيش الكريم وهي قابلة للتوسع لتشمل كافة الجهات إذا لم يستجب أصحاب الحل و العقد للمحتجين بالنظر إلى الحيف و الظلم الذي مازالوا يتعرضون له بعد قرابة العام من الثورة  لذلك أعلنوا الدخول في اعتصامات مفتوحة و إضرابات جوع و مسيرات و احتجاجات بعدما التزموا  بنوع من "الهدنة" خلال فترة الانتخابات.
لكن ما يلفت الانتباه الهجوم غير المسبوق الذي يتعرض له المحتجون سواء كان ذلك على شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفايس بوك أو على صفحات بعض الصحف الصفراء التي كانت بالأمس القريب تطبل و تهلل ل "صانع التغيير" و "حامي الحمى و الدين" و تقود هذه الحملة المغرضة مجموعة من الصفحات التي لا تخفي انتمائها لحركة النهضة و بعض المجموعات الدائرة في فلكها  و التي أخذت الضوء الأخضر من شيخها راشد الغنوشي الذي قال يوم الجلسة الافتتاحية للمجلس التأسيسي ردا على المتظاهرين أمام مجلس النواب بباردو "أنهم جاؤوا يفسدون عرس تونس" فأصبح المحتجون و الفقراء و المهمشون الذين يفترشون الأرض في سيدي بوزيد و سوسة و المهدية و قابس و المظيلة و أم العرايس و الرديف و تالة  و قفصة و الصخيرة و بوزيان و الرقاب و عمال المناولة    زنادقة و ملحدين الانتخابات"  مثلما صرّح سمير ديلو في قناة حنبعل و أصبحت هذه الصفحات تشوه نضالات المهمّشين و تدافع عن وجهة نظر الماسكين الجدد بزمام السلطة و التي تؤكد أن التهميش و الفقر و غياب العدالة الاجتماعية هو أمر طبيعي لا تخلو منه المجتمعات البشرية و علاجه يكمن في نفس السياسة التي أنتجت هذه الأمراض التي تتمثل في مزيد رهن البلاد و العباد إلى مؤسسات النهب المالي وعدم مراجعة الاتفاقيات المهينة التي أمضاها الجنرال المخلوع بنعلي مع الاتحاد الأوروبي و مزيد تكبيل البلاد في قروض جديدة وكذلك الالتزام بتسديد ديون العصابة.
إن حركة النهضة و المؤتمر من أجل الجمهورية و التكتل و التي تحصلت على أغلب المقاعد تقاسمت الرئاسات و الوزارات دون عرض برنامجها المشترك ليتعرف الشعب على الأقل على الإجراءات التي ستتخذها الحكومة في علاقة بالمطالب المستعجلة لذلك انطلقت هذه التحركات التي تعتبر بمثابة "الضربة الاستباقية"  لكل من تسوّل له نفسه الالتفاف على الثورة ولو أن مساعي الالتفاف قد بدأت يوم بداية الإعلان عن   النتائج عندما سارعت النهضة إلى طمأنة الاتحاد الأوروبي و أمريكا و المؤسسات النهّابة على مصالحها و الالتزام بكافة الاتفاقيات التي أمضاها بنعلي  و زيارة الغنوشي إلى قطر و طمأنة لصوص اتحاد الصناعة و التجارة و الذي كان أغلبهم مورطا مع عصابة بنعلي و لم يحاسب منهم أحد و كذلك تصريحات بعض زعمائها حول مراجعة بعض بنود مجلة الأحوال الشخصية.
 إن هذه التحركات مشروعة بالنظر إلى الانتظار الطويل و التضحيات التي قدمها الشعب التونسي في سبيل انتخاب المجلس التأسيسي و كذلك هي دلالة واضحة أن هذا الشعب صانع الثورات مازالت عيناه مفتوحة و يقظا أمام كل محاولات الالتفاف على حقوقه التي حرم منها طوال عقود وهو الآن في الشارع لإلزام الائتلاف الحكومي على النظر في الملفات العاجلة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و على السير طبقا لأهداف الثورة و على كتابة الدستور وفقا لإرادة المهمشين و المفقرين و الطبقات الكادحة مع وجوب أن لا تنحرف هذه التحركات عن طابعها السلمي حتى نقطع كل تبرير عن الحكام الجدد .
إن التهجم على نضالات الشعب التونسي ووصف اليسار بأنهم "جماعة واحد فاصل" و عقلية الإقصاء التي يمارسها  أتباع الأحزاب الفائزة بالأغلبية في الانتخابات لن تثني حزب العمال على مواصلة النضال  من أجل جميع مطالب الشعب التونسي السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و إن "الانتصار الرباني" الذي حققته حركة النهضة لن يمنع أغلبية الشعب الذي لم ينتخبها من قول الكلمة الفصل فإما وضع الدستور على قياس الثورة بشهدائها و معطّليها و كادحيها و مثقفيها و طلاّبها و إما ثورة ثانية و حكومة ثورية تضع البلاد على سكة النهوض الحقيقي: الحرية و الكرامة والعدالة الاجتماعية و القطع النهائي مع الاستبداد.


0 التعليقات:

إرسال تعليق